سورة الشعراء - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


قوله عز وجل: {طسم} قال ابن عباس: عجزت العلماء عن علم تفسيرها وفي رواية أخرى عنه أنه قسم، وهو من أسماء الله تعالى وقيل اسم من أسماء القرآن، وقيل اسم السورة وقيل أقسم بطوله وسنائه وملكه {تلك آيات} أي هذه الآيات آيات {الكتاب المبين} قيل لما كان القرآن فيه دلائل التوحيد، والإعجاز الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودلائل الأحكام أجمع ثبت بذلك أن آيات القرآن كافية مبينة لجميع الأحكام.


{لعلك باخع نفسك} أي قاتل نفسك {ألا يكونوا مؤمنين} أي إن لم يؤمنوا وذلك حين كذبه أهل مكة فشق عليه ذلك وكان يحرص على إيمانهم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} أي لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون منها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله سبحانه وتعالى. وقيل: معناه لو شاء الله لأراهم أمراً من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية. فإن قلت: كيف صح مجيء خاضعين خبراً عن الأعناق. قلت أصل الكلام فظلوا لها خاضعين فأقحمت ا لأعناق لبيان الخضوع وترك الكلام على أصله أو لما، وصفت بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل خاضعين. وقيل: أعناق الناس رؤساؤهم ومقدموهم أي فظلت كبراؤهم لها خاضعين وقيل أراد بالأعناق الجماعات، يقال جاء عنق من الناس أي جماعة قوله تعالى: {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن} أي وعظ وتذكير {محدث} أي محدث إنزاله فهو محدث التنزيل وكلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول {إلا كانوا عنه معرضين} أي عن الإيمان به {فقد كذبوا فسيأتيهم} أي فسوف يأتيهم {أنباء} أي أخبار وعواقب {ما كانوا به يستهزئون أولم يروا إلى الأرض} يعني المشركين {كم أنبتنا فيها} أي بعد أن لم يكن فيها نبات {من كل زوج كريم} أي جنس ونوع وصنف حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام، قال الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم {إن في ذلك} أي الذي ذكر {لآية} تدل على أنه واحد أي دلالة على كمال قدرتنا وتوحيدنا كما قيل:
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
و {وما كان أكثرهم مؤمنين} أي سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون ولا يصدقون.


{وإن ربك لهو العزيز} أي المنتقم من أعدائه {الرحيم} ذو الرحمة لأوليائه. قوله تعالى: {وإذ نادى} أي واذكر يا محمد إذ نادى {ربك موسى} أي حين رأى الشجرة والنار {أن ائت القوم الظالمين} يعني الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي وظلموا بني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب {قوم فرعون} يعني القبط {ألا يتقون} أي يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته والإيمان به {قال} يعني موسى {رب} أي يا رب {إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري} أي بتكذيبهم إياي {ولا ينطلق لساني} أي للعقدة التي كانت على لسانه {فأرسل إلى هارون} ليوازرني ويعينني على تبليغ الرسالة {ولهم عليَّ ذنب} أي دعوى ذنب وهو قتله القبطي {فأخاف أن يقتلون} أي به {قال} الله تعالى {كلا} أي لن يقتلوك {فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} أي سامعون ما تقولون وما يقال لكم. فإن قلت: كيف ذكرهم بلفظ الجمع في قوله معكم وهما اثنان. قلت: أجراهما مجرى الجماعة، وهو جائز في لغة العرب {فائتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين} فإن قلت هلا ثنى الرسول كما في قوله: {فائتياه فقولا إنا رسولا ربك} قلت: الرسول قد يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة فجعله ثم بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته، وجعله هنا بمعنى الرسالة فجازت التسوية فيه، إذا وصف به الواحد والتثنية والجمع والمعنى أنا ذو رسالة كما قال كثير:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم *** بشيء ولا أرسلتهم برسول
أي برسالة وقيل إنهما لاتفاقهما في الرسالة، والشريعة والإخوة فصارا كأنهما رسول واحد وقيل كل واحد منا رسول رب العالمين {أن أرسل معنا بني إسرائيل} أي خلهم وأطلقهم معنا إلى أرض فلسطين ولا تستعبد هم وكان فرعون قد استعبد هم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفاً، فانطلق موسى برسالة ربه إلى مصر وهارون بها فأخبره بذلك، وفي القصة أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصاه والمكتل معلق في رأس العصا، وفيه زاده فدخل دار نفسه وأخبر هارون أن الله قد أرسلني إلى فرعون وأرسل إليك ندعو فرعون إلى الله تعالى فخرجت أمهما فصاحت وقالت: إن فرعون يطلبك ليقتلك فإذا ذهبت إليه قتلك فلم يمتنع لقولها وذهبا إلى باب فرعون وذلك بالليل فدقا الباب ففزع البوابون وقالوا: من بالباب فقال أنا موسى رسول رب العالمين فذهب البوابون إلى فرعون وقالوا إن مجنوناً بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين فترك حتى أصبح ثم دعاهما وقيل إنهما انطلقا جميعاً إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول، ثم دخل البواب فقال لفرعون ها هنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين فقال فرعون: ائذن له لعلنا نضحك منه فدخلا على فرعون وأديا رسالة الله تعالى فعرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته ف {قال} له {ألم نريك فينا وليداً} يعني صبياً {ولبثت فينا من عمرك سنين} أي ثلاثين سنة {وفعلت فعلتك التي فعلت} يعني قتلت القبطي {وأنت من الكافرين} قال أكثر المفسرين من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفساً، وكفرت نعمتنا وهي رواية عن ابن عباس قال إن فرعون لم يكن يعلم الكافر بالربوبية ولأن الكفر غير جائز على الأنبياء لا قبل النبوة، ولا بعدها وقيل معناه وأنت من الكافرين بفرعون وإلهيته {قال} يعني موسى {فعلتها إذاً وأنا من الضالين} أي من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله لأن فعل الوكزة على وجه التأديب لا على وجه القتل وقيل من الضالين عن طريق الصواب وقيل من المخطئين {ففررت منكم} اي إلى مدين {لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً} يعني النبوة وقيل العلم والفهم {وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبد ت بني إسرائيل} أي اتخذتهم عبيداً قيل: عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه لم يقتله كما قتل ولدان بني إسرائيل، ولم يستعبد ه كما استعبد بني اسرائيل فيكون معنى الآية وتلك نعمة تمنها علي أن عبد ت بني اسرائيل وتركتني فلم تستعبد ني، وقيل هو على طريق الإنكار ومعنى الآية أو تلك نعمة على طريق الاستفهام، فحذف الألف كما قال عمر بن عبد الله بن ربيعة:
لم أنس يوم الرحيل وقفتها *** وطرفها من دموعها غرق
وقولها والركاب واقفة *** تتركني هكذا وتنطلق
أي أتتركني، والمعنى أتمن علي أن ربيتني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملات القبيحة أو يريد كيف تمن علي بالتربية، وقد استعبد ت قومي ومن أهين قومه فقد ذل فتعبد بني إسرائيل قد أحبط حسناتك إلي، ولو لم تستعبد هم ولم تقتل أولادهم لم أرفع إليك تربيني وتكلفني، ولكان لي من أهلي من يربيني ولم يلقوني في اليم.

1 | 2 | 3 | 4